أنت لا تحتاجين إلى كلمات كثيرة ليقع العالم كلّه في حبّك
ويقتنع بعظمتك وإبداعك الطّافح ويسهر اللّيل كلّه وهو يتلمّظ من حلاوة
ما أذقته وما لم تذيقيه من شهد العبارة ...
أنت مبدعة أصالة ولا تحتاجين إلى كلّ ذلك الشّقاء الّذي يلقاه بعض أهل النّكد من الكتّاب الموتورين الغريبي الأطوار الغاضبين المتجهّمين دائما بلا سبب الخجولين الكتومين النّاقمين دائما على صابونة الواقع الّتي لا ترغّي اليائسين دائما من أن يجدوا قارئا بحجم عقلة الإصبع يلتفت مجرّد التفات إلى ما يكتبون...
< ...
أنت لا تحتاجين إلى كلمات كثيرة ليقع العالم كلّه في حبّك ويقتنع بعظمتك وإبداعك الطّافح ويسهر اللّيل كلّه وهو يتلمّظ من حلاوة ما أذقته وما لم تذيقيه من شهد العبارة ...
أنت مبدعة أصالة ولا تحتاجين إلى كلّ ذلك الشّقاء الّذي يلقاه بعض أهل النّكد من الكتّاب الموتورين الغريبي الأطوار الغاضبين المتجهّمين دائما بلا سبب الخجولين الكتومين النّاقمين دائما على صابونة الواقع الّتي لا ترغّي اليائسين دائما من أن يجدوا قارئا بحجم عقلة الإصبع يلتفت مجرّد التفات إلى ما يكتبون...
يكفيك يا عزيزتي الكاتبة المتحرّرة صورة على البروفيل، بكتف عار فقط... كتف فقط أو قميص مائل قليلا على الكتف، يكفي لكي تتدفّق النّجوم على بابك وتتشبّث بالنوافذ وأنت تغلقينها وتنسرب من تحت الباب إلى غرفة نومك كي تقول لك: "الله ... الله ... ما أروعك"...
إذا شعرت بأنّ كلماتك العبقريّة ونصوصك المدهشة قد بدأت تفقد شهوتها، بإمكانك أن تنوّعي قليلا من حين لآخر: صورة مفاجئة بسيجارة نصف ملتهبة وشفتين حمراوين نافرتين وخصلة متمردة من الشّعر على الجانب الأيسر من وجهك تغطّي العين فقط وتترك الأخرى ترسل نظرة أشبه بالغمزة... صورة على الشّاطئ وهو خال تماما وأنت بثوبك الخفيف الملتصق في نصف التفاتة ماكرة ونظرة شاردة نحو الأفق الإبداعيّ الرّحيب، صورة متمرّدة بوشم أو تكشيرة قطّة برّيّة ، صورة جريئة بفتحة ظاهرة من جهة الصّدر وعينين لا مباليتين تنظران إلى أعلى مراقي الإبداع في عالمك العلويّ المثير... صورة وأنت نصف مستلقية تمسكين بالقلم بحركة مهيبة وتسرحين في أفكارك العميقة حول خراب العالم وسقوط القيم وشقاء الأطفال في سوريا والفيلة في تنزانيا والقطط في حيّ التّضامن وخرفان العيد في بلاد المسلمين ...
عزيزتي المبدعة... إذا كان كلّ ذلك يتعبك، بإمكانك فقط أن تمنحينا صورة لكعبك العالي فقط ... يكفينا كعبك العالي، وإذا تكرّمت بمقدار شبر واحد فوقه، تكونين قد كفيت ووفيت وشفيت وتستحقّين عن جدارة وبلا أدنى نقاش لقب: سفيرة المبدعين إلى ماوراء النجوم!
أظهر الكل ..ليْلةَ البارِحَهْ ..!
قُلتُ والفِكْرُ بينَ منامَيْنِ مُضْطجِعٌ ساهِدُ،
هلْ تُرى سوفَ أُبْعثُ يا سيِّدي خالِقِي ..
بعدَ موتِي على هيْأةٍ واضِحَهْ؟
ومددتُ يدِي أتَحسَّسُ تحتَ الضُّلوعِ حِصانًا من الماءِ
يَركُضُ منذ سنينَ ولا يَسْتَكِينُ ..
ولكنَّهُ اليومَ يبدُو ثقيلَ الخُطَى، مُوهَنًا ..
مثلَ نهرٍ يَشِيخُ غريبًا على تُرْبَةٍ مالِحَهْ ..
ليْلةَ البارِحَهْ .!
زاغَ قلبِي وطارَ ...
ليْلةَ البارِحَهْ ..!
قُلتُ والفِكْرُ بينَ منامَيْنِ مُضْطجِعٌ ساهِدُ،
هلْ تُرى سوفَ أُبْعثُ يا سيِّدي خالِقِي ..
بعدَ موتِي على هيْأةٍ واضِحَهْ؟
ومددتُ يدِي أتَحسَّسُ تحتَ الضُّلوعِ حِصانًا من الماءِ
يَركُضُ منذ سنينَ ولا يَسْتَكِينُ ..
ولكنَّهُ اليومَ يبدُو ثقيلَ الخُطَى، مُوهَنًا ..
مثلَ نهرٍ يَشِيخُ غريبًا على تُرْبَةٍ مالِحَهْ ..
ليْلةَ البارِحَهْ .!
زاغَ قلبِي وطارَ به الوَجْدُ كُلَّ مَطارِ،
وما خِفْتُ يَومًا كما خِفتُ ساعَتَها أنْ أنامَ ..
أنا قبضةٌ من تُرابِ ..
وكَفُّ الغِيابِ كما الرِّيحُ ممدودةٌ ..
يا لَكَفِّ الغِيابِ .!
ستَلْهُو بها ما تَشاءُ ..
وَتَسْلبُها الرُّوحَ والرّائِحَهْ!
لمْ يكنْ حَدَثًا أن أعيشَ على هذه الأرضِ يومًا ..
كما لنْ يكون احْتِجابِي ..!
ولكنّني صرتُ أخْشَى،
بأنْ أدفعَ اليومَ فاتورةً للحياة الّتِي لم أَعِشْها ..
وأحتاجُ يومًا فقطْ ..! ، أو يَزيدُ قليلاَ ..
وأحتاجُ كَشْفَ حِسابِ ..!
فقيرٌ أنا يا إِلهِي كَمصباحِ زَيْتٍ ..
بسيطٌ كَعُشْبِ الرّوابِي ..
وكمْ طارَ نومي لِقِطٍّ يمُوءُ على شُرْفَتِي
جائِعُا أَوْ قَرِيرَا ..!
ودَفَّأْتُهُ في ثِيابِي ..
وكمْ مرَّةً قدْ نصبتُ لصَيْدِ العصافيرِ فخًّا وأَخْفَيْتُهُ ..
ثمَّ عُدتُ سريعًا وأَطْبَقْتُهُ في التُّرابِ ..!
وكَمْ غُصَّةً بتُّ أَمْضَغُها بينَ عيدٍ وعيدِ ..
وُعُودًا مُؤجَّلةً و دُمًى من جَليدِ ..!
فهلْ سوفَ تَمْنَحُنِي اليومَ يا سيِّدِي خَالِقِي
فُرْصةً منْ جَدِيدِ ..؟
لأَحْيَا لِيومٍ، أَوِ اثنَيْنِ ... أَو مَا تَشاءُ ..
إِلهِي .. حَبيبِي .. !
أنَا ما تَجرَّأْتُ يومًا على الحُلْمِ إِلاَّ ..
بِأَشياءَ عابِرَةٍ، لا تُعَكِّرُ نَهْرَ الحَياةِ ..
وَعِشْتُ على نَدَمٍ غامض طولَ عُمْرِي ..
أُكَفِّرُ مستغفرا عن ذُنُوبٍ تَوهَّمْتُها،
وكَثيرٍ منَ الشَّهواتِ الخَجُولةِ .. والأُمْنِياتِ
أُريدُ فقطْ فُسْحةً للصَّلاةِ ..
سَأَغْسِلُ قلبِي تمامًا ..
فَلَستُ الّذي أَدَّعِيهِ ..
أنا الكأسُ يَرْشَحُ دَومًا بما ليسَ فيهِ ..
أَفيضُ اشتِياقًا،
وأَزْهَدُ في كُلِّ ما أَشْتَهِيهِ ..
وَتَعْرِفُ يا سيِّدِي خالِقِي ..
أَنَّنِي لمْ أَكُنْ دَيِّنًا قائِمًا صائِمًا ...
مُغْدِقًا في النّوافِلِ مثلَ الكثيرينَ ..
أو مُسْرِفًا في الْحياةِ ..!
وأنِّي أُغالِبُ أَمّارَةَ السُّوءِ في كلِّ حينٍ ..
وأَسْهُو – ولاَ حَولَ لي – في صَلاتِي ..
وتَعْرِفُ يا خالِقِي ..
أَنّني لا أُحبُّ الْكَثيرَ من النّاسِ مهما اسْتَقامُوا ..
وَيُحْزِنُنِي أنَّهمْ ...
يَحْمِلُون بِأنْفاسِهِمْ نَفْخةً منْ جلاَلةِ رُوحِكَ،
تَعْرِفُ أَنِّي ظَلمتُ الكثيرينَ حُبًّا وَ كُرْهًا ..
وما زِلتُ أَظْلِمُ ذَاتِي .. !
فَمَنْ لِي أَنا يا إِلهَ الحَزَانَى، سِواكَ. ؟!
غَدًا .. رُبَّما تُشْرِقُ الشَّمسُ بَعْدِي ..
وَعينايَ مُغْمَضتانِ ..
سَيَبْكِي القليلُونَ حَتْمًا .. !
وَيَبْتَسِمُ الْبَعضُ في سِرِّهِمْ شَامِتِينَ
وَقَدْ يَكًتُبُ البعضُ نَعْيًا سَرِيعًا ..
غَدًا يا إِلَهِي..
سآتِيكَ فَرْدًا بِما أَدّعِيهِ، كما يَدَّعي النّاسُ،
منْ عَمَلٍ صالِحٍ ... أَوْ ذُنُوبٍ صغِيرَهْ!
ولكنَّ لي – قبلَ ذلكَ – يا سيِّدِي يا خالِقِي ...
رَغْبَةً في الْبُكاءِ ..
وَأُمْنِيَةً يا إِلَهِي... أَخِيرَهْ!
أُريدُ فقطْ أن أَمُوتَ على أَيِّ دَرْبٍ وَلَوْ مُوحِلٍ،
مِنْ دُرُوبِ الحياةِ الْكَثيرَهْ ..
وَلا أَنتهِي فوقَ هذا الْفِراشِ،
كَما تنتَهِي الرِّيحُ دَومًا كَسِيرَهْ .. !
و أنْ أنزِلَ القَبْرَ يا خالِقِي وَاثِقًا، شَامِخًا ..
أَنَّنِي ما حَنَيْتُ لِغَيْرِكَ رأْسِي ..
ولا احْتَجْتُ يَومًا ..
لأَكْثَرَ من كَفِّ أُمِّي وَ دَعْوَاتِهَا ..
في حَياتِي القَصِيرَهْ ..
أظهر الكل ..لَسْتُ مِنهُمْ أَنا ..
لَسْتُ مِنْ هؤلاَء الَّذِينَ
يَتِيهُونَ مِثْلَ السَّكَارَى ..
ويَرْغُونَ مِثْلَ
الزَّبَدْ!
شُعَرَاءُ، يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ في
مَجالِسِهِمْ،
ويُدِيرُونَ فوْقَ الرُّؤُوسِ كُؤوسَ
النَّكَدْ!
شُعراءُ يَحُطُّونَ مِثْلَ الذُّبابِ على
الدَّمِ،
أَوْ يَغْمِسُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي .... مَواضِعَ
شَتَّى ...
ويَأْتُونَ شِعْرًا رَدِيئًا، بَذِيئًا قَمِيئًا
...
بِلاَ وَالِدٍ أَوْ وَلَدْ! !
هَ ...
لَسْتُ مِنهُمْ أَنا ..
لَسْتُ مِنْ هؤلاَء الَّذِينَ يَتِيهُونَ مِثْلَ السَّكَارَى ..
ويَرْغُونَ مِثْلَ الزَّبَدْ!
شُعَرَاءُ، يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ في مَجالِسِهِمْ،
ويُدِيرُونَ فوْقَ الرُّؤُوسِ كُؤوسَ النَّكَدْ!
شُعراءُ يَحُطُّونَ مِثْلَ الذُّبابِ على الدَّمِ،
أَوْ يَغْمِسُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي .... مَواضِعَ شَتَّى ...
ويَأْتُونَ شِعْرًا رَدِيئًا، بَذِيئًا قَمِيئًا ...
بِلاَ وَالِدٍ أَوْ وَلَدْ! !
هَؤُلاءِ الَّذينَ تُجَمِّعُهُمْ حولَ سَقْطِ الْمَوائِدِ،
رائِحَةُ التَّبْغِ والْغَنَجُ الأُنْثَوِيُّ،
ومِلْحُ الْجَسَدْ!
وتُجَمِّعُهُمْ حانَةٌ في الشّدائدِ،
أَوْ عَرَقُ الْعاهِراتِ بِلاَ مَوْعِدٍ ...
وَ يُفرِّقُهُمْ دَمْعُ هذا الْبَلَدْ .. !
لَسْتُ مِنْ هؤُلاءِ أَنا ...
لَسْتُ فيهِمْ أَحَدْ!
ولَسْتُ مِنَ السّادةِ الْعابِثِينَ،
وَ لاَ أَسْتَسِيغُ حَدِيثَ الْحَداثَةِ وَ الْمُحْدَثِينَ ..
ولاَ أَحْمَرَ الشَّفَتَيْنِ عَلى طَرَفِ الْكَأْسِ،
أَوْ بَذَخَ الْجِنْسِ في أَيِّ نادٍ ..
بِلاَ خَجَلٍ أَوْ عُقَدْ!
لَسْتُ مِنْهُمْ أَنا أَوْ إِلَيْهِمْ ..
ولَسْتُ أَنا مَنْ يَقُولُ:
" نُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
مَا أنا صالِحٌ في ثَمُودٍ،
لِأَزْعُمَ أَنِّي ..
" أُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
إِنَّنِي يَا رفيقُ أُحِبُّ الْبِلاَدَ ..أَجَلْ !
غَيْرَ أَنِّي ..
أُقَدِّرُ أَنَّ الْكَثِيرِينَ مِثْلِي
وأَكْثَرَ مِنِّي أَنا – رُبَّمَا – أَوْ أَقَلَّ،
يُحِبُّونَ هذَا الْبَلَدْ!
لَيْسَ عَيْبًا بِأَنْ لاَ نَكُونَ جميعًا علَى شِرْعَةٍ واحِدَهْ ..
إِنَّمَا الْعَيْبُ أَنَّا ..
نُصَادِرُ حُبَّ الْبَلَدْ!
وَ لَسْتُ أُحِبُّ الْبِلاَدَ الّتِي يَمْدَحُونَ ..
بِلاَدٌ ... نَراهَا فقَطْ فِي القصائدِ،
والْخُطَبِ الْمَلْحَمِيَّةِ، والْكُتُبِ الْمَدْرَسِيَّةِ،
فِي المَهرجاناتِ، والْمَسْرَحِ الْبَلَدِيِّ
وفِي شَرِكاتِ التَّوحُّشِ، أَوْ قَنواتِ الدَّعارةِ،
والنَّمَطِ الْمُسْتَبِدْ!
أُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَعْجِنُ الْخُبْزَ مِنْ قَمْحِهَا ..
وَ الَّتِي تُرْضِعُ الْبِيدَ مِنْ جُرْحِهَا ..
والَّتِي تَحْرُسُ النَّائِمِينَ جَمِيعًا،
وتُوقِظُهُمْ في الصَّباحِ علَى مَا تَعِدْ!
وَأُحِبُّ الْبِلادَ الْعَمِيقَةَ،
تِلْكَ الَّتِي تتَكدَّسُ في شَارِعٍ ضَيِّقٍ،
قُرْبَ مَبْنَى الإِذاعةِ والتِّلِفِزْيُونِ،
مَنْسِيَّةً فِي شُقُوقِ الرَّحَى ...
لاَ يَراهَا أَحَدْ .. ! !
وَأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ،
وَ تتْرُكُ أَبْوابَها .. كُلَّ أَبْوابِها في الْحَوادِثِ،
مُشْرَعَةً لِلسَّبِيلِ!
وتَقْطَعُ مِنْ لَحْمِها للْجِياعِ،
إِذا لَمْ تَجِدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَنْطَحُ الصَّخْرَ في اللَّيْلِ،
أَوْ تَمْسَحُ الطُّرُقَاتِ الْحَزِينةَ،
أَوْ تتَحَسَّسُ دَرْبَ النُّجُومِ ...
وتَعْلُو بِها لِلأَبَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي يَكْبُرُ الْحُرُّ فِيهَا،
وَ لاَ يَصْغُرُ ..
والَّتِي تَرْتَوِي مِنْ دَمِ الشُّهَداء،
وَلاَ تَسْكَرُ .. !
والَّتِي لَيْسَ فِيها " شَقِيفُ!"
ولاَ جائِعٌ أَوْ طَريدٌ ولاَ مُضْطَهَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي لاَ أَرَى فِي مَجَاهِلِهَا..
طائِرًا حَائِرًا لَيْسَ يَدْرِي إِلَى أَيِّ حَتْفٍ يَطِيرُ
بِلاَ صَاحِبٍ أَوْ سَنَدْ!
وَأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي لاَ تَرُدُّ بَنِيها ..
ولاَ تُغْلِقُ الْبَابَ،
حتَّى يَعُودُوا جَمِيعًا إِلَى حُضْنِهَا طَيِّبِينَ
ولاَ تَقْطَعُ الْحَبْلَ، حَبْلَ الرُّجوعِ، لِمَنْ غَرَّهُ الذِّئْبُ ...
مَهْمَا جَفَا، أَوْ نَأَى، وابْتَعَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي ...
تَعْرِفُ الشُّعَرَاءَ جَمِيعًا،
بِأَسْمائِهِمْ وَ بِأَوْصَافِهِمْ .. !
مِثْلَمَا تَعْرِفُ الشُّهَدَاءَ جَمِيعًا،
بِأَسْمائِهِمْ وَ بِأَوْصَافِهِمْ .. !
وأُحبُّ البِلاَدَ الَّتِي ... لاَ تَرَانِي ...
ولاَ أَدَّعِي أَنَّ لِي فِي النّهايةِ،
أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ بَسِيطٍ يَعِيشُ عَلَيْها ..
بَغَى أَوْ طَغَى أَوْ زَنَى ... أَوْ سَجَدْ! !
فَكَيْفَ إِذَنْ للَّذِي أَسْكَرَتْهُ الْقَصِيدةُ، وَالْجَوقةُ الصّاخِبَهْ
أَنْ يَقُولَ، كَمَا قَالَ، أَوْ يَعْتَقِدْ؟ !
أَنّهُ، كَائِنًا مَنْ يَكُونُ،
" يُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"لَسْتُ مِنهُمْ أَنا ..
لَسْتُ مِنْ هؤلاَء الَّذِينَ يَتِيهُونَ مِثْلَ السَّكَارَى ..
ويَرْغُونَ مِثْلَ الزَّبَدْ!
شُعَرَاءُ، يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ في مَجالِسِهِمْ،
ويُدِيرُونَ فوْقَ الرُّؤُوسِ كُؤوسَ النَّكَدْ!
شُعراءُ يَحُطُّونَ مِثْلَ الذُّبابِ على الدَّمِ،
أَوْ يَغْمِسُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي .... مَواضِعَ شَتَّى ...
ويَأْتُونَ شِعْرًا رَدِيئًا، بَذِيئًا قَمِيئًا ...
بِلاَ وَالِدٍ أَوْ وَلَدْ! !
هَؤُلاءِ الَّذينَ تُجَمِّعُهُمْ حولَ سَقْطِ الْمَوائِدِ،
رائِحَةُ التَّبْغِ والْغَنَجُ الأُنْثَوِيُّ،
ومِلْحُ الْجَسَدْ!
وتُجَمِّعُهُمْ حانَةٌ في الشّدائدِ،
أَوْ عَرَقُ الْعاهِراتِ بِلاَ مَوْعِدٍ ...
وَ يُفرِّقُهُمْ دَمْعُ هذا الْبَلَدْ .. !
لَسْتُ مِنْ هؤُلاءِ أَنا ...
لَسْتُ فيهِمْ أَحَدْ!
ولَسْتُ مِنَ السّادةِ الْعابِثِينَ،
وَ لاَ أَسْتَسِيغُ حَدِيثَ الْحَداثَةِ وَ الْمُحْدَثِينَ ..
ولاَ أَحْمَرَ الشَّفَتَيْنِ عَلى طَرَفِ الْكَأْسِ،
أَوْ بَذَخَ الْجِنْسِ في أَيِّ نادٍ ..
بِلاَ خَجَلٍ أَوْ عُقَدْ!
لَسْتُ مِنْهُمْ أَنا أَوْ إِلَيْهِمْ ..
ولَسْتُ أَنا مَنْ يَقُولُ:
" نُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
مَا أنا صالِحٌ في ثَمُودٍ،
لِأَزْعُمَ أَنِّي ..
" أُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
إِنَّنِي يَا رفيقُ أُحِبُّ الْبِلاَدَ ..أَجَلْ !
غَيْرَ أَنِّي ..
أُقَدِّرُ أَنَّ الْكَثِيرِينَ مِثْلِي
وأَكْثَرَ مِنِّي أَنا – رُبَّمَا – أَوْ أَقَلَّ،
يُحِبُّونَ هذَا الْبَلَدْ!
لَيْسَ عَيْبًا بِأَنْ لاَ نَكُونَ جميعًا علَى شِرْعَةٍ واحِدَهْ ..
إِنَّمَا الْعَيْبُ أَنَّا ..
نُصَادِرُ حُبَّ الْبَلَدْ!
وَ لَسْتُ أُحِبُّ الْبِلاَدَ الّتِي يَمْدَحُونَ ..
بِلاَدٌ ... نَراهَا فقَطْ فِي القصائدِ،
والْخُطَبِ الْمَلْحَمِيَّةِ، والْكُتُبِ الْمَدْرَسِيَّةِ،
فِي المَهرجاناتِ، والْمَسْرَحِ الْبَلَدِيِّ
وفِي شَرِكاتِ التَّوحُّشِ، أَوْ قَنواتِ الدَّعارةِ،
والنَّمَطِ الْمُسْتَبِدْ!
أُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَعْجِنُ الْخُبْزَ مِنْ قَمْحِهَا ..
وَ الَّتِي تُرْضِعُ الْبِيدَ مِنْ جُرْحِهَا ..
والَّتِي تَحْرُسُ النَّائِمِينَ جَمِيعًا،
وتُوقِظُهُمْ في الصَّباحِ علَى مَا تَعِدْ!
وَأُحِبُّ الْبِلادَ الْعَمِيقَةَ،
تِلْكَ الَّتِي تتَكدَّسُ في شَارِعٍ ضَيِّقٍ،
قُرْبَ مَبْنَى الإِذاعةِ والتِّلِفِزْيُونِ،
مَنْسِيَّةً فِي شُقُوقِ الرَّحَى ...
لاَ يَراهَا أَحَدْ .. ! !
وَأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ،
وَ تتْرُكُ أَبْوابَها .. كُلَّ أَبْوابِها في الْحَوادِثِ،
مُشْرَعَةً لِلسَّبِيلِ!
وتَقْطَعُ مِنْ لَحْمِها للْجِياعِ،
إِذا لَمْ تَجِدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي تَنْطَحُ الصَّخْرَ في اللَّيْلِ،
أَوْ تَمْسَحُ الطُّرُقَاتِ الْحَزِينةَ،
أَوْ تتَحَسَّسُ دَرْبَ النُّجُومِ ...
وتَعْلُو بِها لِلأَبَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي يَكْبُرُ الْحُرُّ فِيهَا،
وَ لاَ يَصْغُرُ ..
والَّتِي تَرْتَوِي مِنْ دَمِ الشُّهَداء،
وَلاَ تَسْكَرُ .. !
والَّتِي لَيْسَ فِيها " شَقِيفُ!"
ولاَ جائِعٌ أَوْ طَريدٌ ولاَ مُضْطَهَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي لاَ أَرَى فِي مَجَاهِلِهَا..
طائِرًا حَائِرًا لَيْسَ يَدْرِي إِلَى أَيِّ حَتْفٍ يَطِيرُ
بِلاَ صَاحِبٍ أَوْ سَنَدْ!
وَأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي لاَ تَرُدُّ بَنِيها ..
ولاَ تُغْلِقُ الْبَابَ،
حتَّى يَعُودُوا جَمِيعًا إِلَى حُضْنِهَا طَيِّبِينَ
ولاَ تَقْطَعُ الْحَبْلَ، حَبْلَ الرُّجوعِ، لِمَنْ غَرَّهُ الذِّئْبُ ...
مَهْمَا جَفَا، أَوْ نَأَى، وابْتَعَدْ!
وأُحِبُّ الْبِلاَدَ الَّتِي ...
تَعْرِفُ الشُّعَرَاءَ جَمِيعًا،
بِأَسْمائِهِمْ وَ بِأَوْصَافِهِمْ .. !
مِثْلَمَا تَعْرِفُ الشُّهَدَاءَ جَمِيعًا،
بِأَسْمائِهِمْ وَ بِأَوْصَافِهِمْ .. !
وأُحبُّ البِلاَدَ الَّتِي ... لاَ تَرَانِي ...
ولاَ أَدَّعِي أَنَّ لِي فِي النّهايةِ،
أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ بَسِيطٍ يَعِيشُ عَلَيْها ..
بَغَى أَوْ طَغَى أَوْ زَنَى ... أَوْ سَجَدْ! !
فَكَيْفَ إِذَنْ للَّذِي أَسْكَرَتْهُ الْقَصِيدةُ، وَالْجَوقةُ الصّاخِبَهْ
أَنْ يَقُولَ، كَمَا قَالَ، أَوْ يَعْتَقِدْ؟ !
أَنّهُ، كَائِنًا مَنْ يَكُونُ،
" يُحِبُّ الْبِلاَدَ كَما لاَ يُحِبُّ الْبِلاَدَ أَحَدْ!"
كانت فدوى تجلس إلى جانبي ساعات، لا تظفر منّي سوى بكلمات قليلة، منقوعة في الصّمت الفسيح... في البداية كانت تسألني:
− فيم تفكّر؟
أجيبها:
− لا شيء...!
وتستمرّ ضاحكة:
− لا أحد يفكّر في اللاّشيء... هل تسخر منّي؟
− أنا أفكّر في اللاّشيء... ألا تصدّقين ذلك؟
− طبعا لا أصدّق؟ أنا لست مجنونة مثلك لأملأ عقلي باللاّشيء...
− لكنّه أمر لذيذ ... أنت لم تجرّبيه... لو جرّبته لوجدته الطّريقة المثلى لتنسي كلّ ما لا يعجبك، وتتغلّبي على كلّ المشاكل...
تقول ضائ ...
كانت فدوى تجلس إلى جانبي ساعات، لا تظفر منّي سوى بكلمات قليلة، منقوعة في الصّمت الفسيح... في البداية كانت تسألني:
− فيم تفكّر؟
أجيبها:
− لا شيء...!
وتستمرّ ضاحكة:
− لا أحد يفكّر في اللاّشيء... هل تسخر منّي؟
− أنا أفكّر في اللاّشيء... ألا تصدّقين ذلك؟
− طبعا لا أصدّق؟ أنا لست مجنونة مثلك لأملأ عقلي باللاّشيء...
− لكنّه أمر لذيذ ... أنت لم تجرّبيه... لو جرّبته لوجدته الطّريقة المثلى لتنسي كلّ ما لا يعجبك، وتتغلّبي على كلّ المشاكل...
تقول ضائقة:
− أنت تلعب على الكلمات ليس إلاّ... سيظلّ دائما هناك شيء تفكّر فيه، حتّى ولو كان ضئيلا جدّا في قاع عقلك، يترسّب مثل حبيبات الرّمل الدّقيقة، يشغلك ويملأ تفكيرك...
أجيبها بتحدّ:
− حتّى حبيبات الرّمل أستطيع أن أتخلّص منها... أنا أستطيع أن أحوّل عقلي إلى غربال متى أشاء ... وأكثر من ذلك... أنا أستطيع أن أضيّق عيون هذا الغربال وأوسّعها كما أشاء، ومتى أشاء...
يغلبها عنادي فتصمت قليلا، ثمّ تعاود:
− ولماذا تفكّر في اللاّشيء؟ ما دمنا معا، وبإمكاننا أن نملأ عقولنا بأشياء كثيرة جميلة، نفكّر فيها معا...
أنظر في عينيها الصّافيتين كسماء أفريل، وأقول لها بصوت غائم:
− أنا أتدرّب ... لعلّ القدر يفاجئني بغير تلك الأشياء الجميلة... أفضل طريقة لمقاومة الأحزان هي أن لا تفكّري فيها أبدا، وكي يحدث ذلك، عليك أن تتعلّمي كيف تفرغين عقلك تماما... هل تريدين أن تجرّبي؟
تضحك بقلب واسع، وتقول لي:
− إلاّ هذه ... لا أستطيعها ... أنت تعرفني، عقلي ثرثار لا يكفّ عن النّبش في كلّ مزابل العالم...
ثمّ تردف ضاحكة بشقاوة قطّة برّيّة:
− حين نكبر ونتزوّج سنقتسم الأدوار... أنا أملأ، وأنت تفرغ... ما رأيك؟
نضحك ملء السّحاب والهضاب والوهاد، ثمّ نشابك بين يدينا ونمضي، كأنّ الوجود خلا من أيّ شيء سوانا...
أظهر الكل ..توقظه زوجته في كبد اللّيل، وتهمزه برفق:
- يارجل... كفَّ عن الشّخير أرجوك... أريد أن أنام قليلا!
يغمغم، نصف نائم:
- ماذا تريدين؟... دعيني أنَمْ !
- أنت تنام منذ أوّل اللّيل... أنا أيضا أريد أن أنام... كفّ عن الشّخير، أرجوك!
- أنا أشخر!!؟
تقول في نفسها: "سيبدأ الموّال من أوّله"
- نعم أنت تشخر وتصفّر وتصكّ وتقضم أسنانك وتسحب عنّي الغطاء وتفعل أشياء أخرى كثيرة لن أقولها الآن...و لن تصدّق إلاّ حين أسجّلك ليلة صورة وصوتا وأسمعك شخيرك الّذي يهزّ الجيران. ...
توقظه زوجته في كبد اللّيل، وتهمزه برفق:
- يارجل... كفَّ عن الشّخير أرجوك... أريد أن أنام قليلا!
يغمغم، نصف نائم:
- ماذا تريدين؟... دعيني أنَمْ !
- أنت تنام منذ أوّل اللّيل... أنا أيضا أريد أن أنام... كفّ عن الشّخير، أرجوك!
- أنا أشخر!!؟
تقول في نفسها: "سيبدأ الموّال من أوّله"
- نعم أنت تشخر وتصفّر وتصكّ وتقضم أسنانك وتسحب عنّي الغطاء وتفعل أشياء أخرى كثيرة لن أقولها الآن...و لن تصدّق إلاّ حين أسجّلك ليلة صورة وصوتا وأسمعك شخيرك الّذي يهزّ الجيران... وسوف أفعلها
- أنا لم أسمع نفسي يوما أشخر، وحتّى إن شخرت، فلا أعتقد أنّ شخيري مزعج إلى هذا الحدّ كي تقيمي عليه الدّنيا كلّ مرّة وتحرميني من النّوم...
ينتبه إلى أنّ هناك أشياء كثيرة بدأت تتغيّر، ابنته أيضا نامت إلى جانبه تلك اللّيلة في "الصّالة"، ثمّ حين استيقظ وجدها قد أخذت الحشيّة والغطاء، وأكملت نومها في الغرفة المجاورة... إذن فالأمر صحيح... لقد صرت أشخر أنا أيضا، مثل داده رحمها اللّه وجدّي رحمه الله وخالتي عيشه رحمها الله، وكلّ الّذين كانوا يشخرون، رحمهم الله أيضا سريعا بعد ذلك... ماذا يعني ذلك؟ ... هل أنا أيضا أصبحت على الطّريق السّريع إلى رحمة الله؟؟ ... هكذا بكلّ هذه السّرعة وبكلّ هذه البساطة؟
يقول في نفسه: " صحيح أنّني لم أعد أنام كما كنت أنام فيما مضى، ربّما منذ سنوات طويلة، كنت حين أنام أشعر أنّني انتقلت إلى غرفة أخرى مضاءة بالكامل، فيها شاشة عملاقة، أشاهد فيها أفلاما فيها كثيرة عالية الدّقّة... أركض وأضحك وأغنّي وأسمع وأرى كلّ شيء بمنتهى الوضوح... أنام دفعة واحدة، وحين أستيقظ، أستيقظ دفعة واحدة، بكلّ حواسّي وكأنّني قد امتلأت عيناي بكلّ الضّياء وصدري بالأوكسيجين وقلبي بأجمل الذّكريات ... اليوم صرت أنام مثل حجر ثقيل يسقط في قاع البئر، لا أثر للضّوء من حولي، تختنق أنفاسي وتموت حواسّي كلّها كما لو كنت جثّة حقيقيّة، وحين أستيقظ لا أتذكّر شيئا... منذ عشر سنوات على الأقلّ لا أتذكّر أنّي حلمت حلما واحدا، وحتّى إذا صادف وحلمت، أنساه مباشرة فور استيقاظي ولا يبقى منه سوى الضّباب ...
زوجتي تقول إنّني أشخر كثيرا، لكنّني لا أتصوّر ذلك... أقصد أنّ شخيري لا يمكن أن يكون مزعجا إلى هذا الحدّ، فرقبتي ليست غليظة، وصدري ليس ضيّقا، وبطني ليست منتفخة إلى ذلك الحدّ ... كما أنّني أقلعت عن التّدخين منذ سنوات، والأهمّ من كلّ ذلك أنّني أغنّي لعبد الحليم ... الجميع يقولون إنّ صوتي في الغناء يشبه كثيرا صوت عبد الحليم، فهل يتصوّر أحدهم أنّ عبد الحليم يشخر؟ وحتّى إذا شخر... فلن يكون شخيره إلاّ قريبا جدّا من غنائه...
هل يتصوّر أحدهم أنّ فيروز تشخر؟ أو أسمهان أو أو ...
إذا صحّ أنّني أشخر فعلا، فسأكون قد خرجت من زمن عبد الحليم إلى زمن الحطّاب الذّيب...
من الطّبيعيّ أن يشخر الحطّاب الذّيب، حين تنظر إلى رقبته وكتفيه وظهره وحين تسمع صوته ... وحتّى لو لم يكن كلّ ذلك، فيكفي أن يكون اسمه الحطّاب الذّيب كي يكون من الطّبيعيّ أنّه يشخر ... أمّا عبد الحليم ، فلا...
ثمّ ينتبه إلى أنّ الشّخير هو في الحقيقة نوع من الغرغرة، غرغرة الرّوح عند الاحتضار... هو حالة الاحتضار الّتي بدأت، ولا أحد يعرف بالتّحديد متى تنتهي، لكنّها حتما ستنتهي أقرب ممّا كان يتوقّع ... ينتبه إلى أدويته الكثيرة التي بدأت تتكدّس إلى جانبه قرب الفراش، دواء الضّغط، ودواء الحساسيّة، ودواء السّكّريّ ... وأدوية أخرى عارضة، تظهر وتختفي من حين لآخر ...
لا شكّ أنّ كلّ ما تقوله زوجته صحيح بالكامل... ولا شكّ أنّها لم توقظه إلاّ بعد أن قضت السّاعات وهي تتقلّب على جانبيها، تقول في نفسها: "هو يتعب طيلة اليوم، يجب أن يرتاح... سوف يتقلّب على جنبه الآخر بعد قليل... مازال اللّيل طويلا وسأشبع من النّوم... المهمّ أن يرتاح هو قليلا ... "
يأخذ اللّحاف والغطاء، ويتسلّل إلى الصّالة... يحزنه كثيرا أن يفعل ذلك... من المحزن أن يفرغ مكانه أو مكانها في الفراش، ذلك ينبئ بشرّ كثير ... كان يعتقد دائما أنّه لن يحدث ذلك إلاّ وأحدهما في القبر... هناك سيحترم الجميع راحة الجميع، لا أحد يشخر أو يصفّر، أو يصكّ أو يسحب الغطاء عن الآخر... الآن صار مضطرّا إلى كثير ممّا يكره... سيتركها ترتاح قليلا ... ساعة أو ساعتين قبل انبلاج الصّباح...
حين استقرّ في فراشه الجديد على "البنك"... شعر بحركتها ... أحضرت غطاء وحَشِيّةً (جرّاية)... وضعتها على الأرض واستقرّت لتنام ، إلى جانبه في الصّالة...
قال لها بحزن يغلّفه الغضب والاستغراب:
- لماذا تلحقين بي إلى هنا؟ ... ألم تقولي إنّ شخيري يحرمك من النّوم؟... دعيني وشأني إذن...
تتمتم بينها وبين نفسها:
- لأنّك غبيّ ... لم تفهم أنّ شخيرك يزعجني ويحرمني من النّوم، لكنّني لا أستطيع أن أعيش بدونه ...
يتمتم هو أيضا، بينه وبين نفسه:
- أنا أيضا أحبّكِ... لكنّني لا أستطيع أن أكفّ عن الشّخير !!
ــــــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي
أظهر الكل ..هُنا صوتُكُمْ .. صوتُ كُلِّ العربْ !!
سادةً أوْ عبِيدًا ..
صغارًا، كِبَارًا ..
خِفافًا، ثِقالاً ..
ومَنْ كانَ منكمْ سَلِيلَ الكِرامِ،
و مَنْ كانَ مِنكم عَديمَ النَّسَبْ .. !!
وَ هُنا بَيْتُكُمْ ..
بَيْتُ كُلِّ العَرَبْ !!
آمِنٌ مَنْ يَحُجُّ إِلَيْهِ،
ومَنْ يَسْتَجِيرُ بِظِلِّ العَمائِمِ
مَهمَا اسْتَباحَ، ومَهْمَا اسْتَحلَّ ..
ومَهْمَا اغتَصَب ...
هُنا صوتُكُمْ .. صوتُ كُلِّ العربْ !!
سادةً أوْ عبِيدًا ..
صغارًا، كِبَارًا ..
خِفافًا، ثِقالاً ..
ومَنْ كانَ منكمْ سَلِيلَ الكِرامِ،
و مَنْ كانَ مِنكم عَديمَ النَّسَبْ .. !!
وَ هُنا بَيْتُكُمْ ..
بَيْتُ كُلِّ العَرَبْ !!
آمِنٌ مَنْ يَحُجُّ إِلَيْهِ،
ومَنْ يَسْتَجِيرُ بِظِلِّ العَمائِمِ
مَهمَا اسْتَباحَ، ومَهْمَا اسْتَحلَّ ..
ومَهْمَا اغتَصَبْ !!
كُلَّنا وَاحِدُ ...
في السَّلامِ أوِ الْحربِ، في الشَّرْقِ والْغَرْبِ،
في حَضْرَةِ الشَّعْبِ،
نحنُ بِكمْ أَوْ علَيْكُمْ فَلاَ تَيْأَسُوا ..
كلُّنَا واحِدُ ..
منذُ ستِّينَ عامًا، وكلُّ الَّذي حولَنا شاهِدُ
أَنَّنا قدْ حَكَمنا جمِيعًا مُصادَفةً ..
و اقتَسَمْنا الهَوانَ مُناصَفَةً ..
وَ رَكِبْنا ظُهورَ الرَّعايَا ..
كما يَرْكَبُ العاجِزونَ ظُهورَ البَغايَا
وَ لمْ يَنْجُ منّا وليدٌ و لاَ والِدُ ..
كُلُّنا واحِدُ ..
رغمَ كلِّ اختلافاتِنَا أو خِلاَفاتِنَا
نَشْتَرِي العَبْدَ مُنذُ الصِّبَا، والعَصَا مَعَهُ ..
ونَشَيِّدُ أَمْجادَنا في عقُول الصِّغارِ
نُحَدِّثُهُمْ عنْ بُطولاَتِنا ونُبُوءَاتِنا
وَالكِتابِ الَّذِي قدْ خُلِقْنَا لِنَرْفَعَهُ ..
كُلّنا واحِدُ ...
مَلِكٌ أَو رَئيسُ ..
وَلِيٌّ لِعَهْدٍ ولاَ عَهْدَ لَهْ .. !!
وَارِثٌ أَوْ وَرِيثٌ وما أَعْدَلَهْ !!
نِصفُ شَيْخٍ هَجِينٍ مَهِينٍ
على دَوْلَةٍ في المُحيطِ كَفُقَّاعَةٍ مُهْمَلَهْ
حاكِمٌ عَسْكَرِيٌّ على ضيعةٍ للْخنازِيرِ،
أو جِنِرالٌ بِلاَ شرفٍ مُثْقَلٌ بالنّياشينِ،
أو ضابِطٌ مُنْقَلِبْ .. !!
نحنُ صوتٌ لكمْ ..
صوتُ كُلِّ العربْ .. !!
ومِنَّا العُرُوبِيُّ والاشتِراكِيُّ،
مِنّا الحداثيُّ والجاهلِيُّ ومِنَّا الشُّيوعيُّ،
منّا الوهابيُّ والنّاصريُّ،
ومنَّا الصَّليبيُّ،
منّا المُشَرِّقُ، وَهْوَ المُغَرِّبُ والمُغْتَرِبْ .. !!
فاطمَئِنُّوا على حالِكُمْ يا عَرَبْ !!
وَأَعِدُّوا لنا حُلَلَ المَجْدِ في كُلِّ عِيدٍ ..
نُحَقِّقْ لكمْ كلَّ أَحلاَمِكُمْ ...
في الْخُطَبْ .. !!
أظهر الكل ..صرت أنسى كثيرا...
على أعتاب الخمسين، بدأت الحياة تأخذ شكلها الحقيقيّ والنّهائيّ: ثقب أسود ضخم يبتلع كلّ شيء، لا يقترب ولا يبتعد، يأتيه كلّ شيء وينزلق بكلّ صمت وهدوء في جوفه البارد المظلم، الأحلام الصّغيرة والكبيرة، النّزوات والشّهوات المكتومة، حكايات الطّفولة، حماقات الشّباب، الأحداث والشّخوص والأزمنة والأماكن، كلّ شيء، يأخذ مكانه النّهائيّ رويدا رويدا، وبلا ضجيج، في قاع النّسيان.
أنظر خلفي، فلا أرى سوى بقع من الزّيت العائم، في بحيرة كبيرة، لا تتجمّع، ولا تتلاشى تماما، حياتي مجرّد ...
صرت أنسى كثيرا...
على أعتاب الخمسين، بدأت الحياة تأخذ شكلها الحقيقيّ والنّهائيّ: ثقب أسود ضخم يبتلع كلّ شيء، لا يقترب ولا يبتعد، يأتيه كلّ شيء وينزلق بكلّ صمت وهدوء في جوفه البارد المظلم، الأحلام الصّغيرة والكبيرة، النّزوات والشّهوات المكتومة، حكايات الطّفولة، حماقات الشّباب، الأحداث والشّخوص والأزمنة والأماكن، كلّ شيء، يأخذ مكانه النّهائيّ رويدا رويدا، وبلا ضجيج، في قاع النّسيان.
أنظر خلفي، فلا أرى سوى بقع من الزّيت العائم، في بحيرة كبيرة، لا تتجمّع، ولا تتلاشى تماما، حياتي مجرّد حفنة من الماء، أو من الرّمل ... صرت أراها كصرّة جدّتي الفقيرة، كلّ ما فيها بطاقة التّعريف المهترئة، ودفتر العلاج القديم، ودريهمات شحيحة
أصارع الوقت، وأسابقه كي أكتب أشياء كثيرة، قبل أن يبتلعها الثّقب الأسود، حياتي ليست تراجيديا، ولم يكن لها ذلك الإيقاع الملحميّ الصّاخب، كان يكفيني فقط أن تنتبه إليها الطّيور وزهرات اللّيل الخجولة، لم أنجح غالبا في أن أجعلها كذلك، ولم أعد أطمع اليوم، في أكثر من أن أرويها، بشيء من التّفصيل... لن يكون من المنصف أبدا ألاّ يبقى منها سوى عناوين، وتواريخ، وأقوال وأفعال مرصوصة في قائمة طويلة، في انتظار العرض الأخير
الزّمن يعرف كيف يكسب الجولة تلو الجولة، بكلّ مكر وبرود، يشدّني إلى كرسيّ أمام الشّاشة، مثلما تفعل الأمّ بطفلها الصّغير، يتركني أتابع الصّور والألوان والأصوات ذاهلا شاردا، لساعات وساعات، في حين يتفرّغ هو ليرتّب حياتي كما يشاء، يكنس ما تبعثر، يعلّق ما ابتلّ من الأحلام حتّى تنشف تماما، يجمع كلّ لعبي وأشواقي وأشيائي الصّغيرة ويضعها في صندوق يغلقه بإحكام، ويقذفه أعلى الخزانة...
لم يعد الأمر يتعلّق فقط بالتّفاصيل الصّغيرة. في البداية كان الأمر كذلك، ثمّ صرت أنسى أحداثا كثيرة هامّة، ثمّ تلاشت حتّى المحطّات الكبرى في حياتي، صارت زوجتي تحدّثني عنها، كأنّني لم أعشها، أو كأنّها تحدّثني عن إنسان آخر، لم أصادفه يوما، أو عن حياة أخرى، مرّت بجانبي ولم أشعر بها...
بعد سنوات قليلة، لن يكون معي شيء كثير أتذكّره، سيكون كلّ شيء كأنّي لم أعشه، لن أتذكّر الّذين أحببتهم ولا الّذين كرهتهم، ولن أتذكّر لماذا كرهتهم، وهل كان عليّ فعلا أن أحبّهم... أتساءل: عمّ سأحاسب إذا كنت سأنسى تماما كلّ شيء؟ حياتي مثل سيجارة أدخّنها في الرّيح، أيّامها تتطاير كالرّماد وتتلاشى مع الدّخان، ولا أستشعر منها سوى تلك الجمرة، الّتي تتحوّل بدورها، بعد ثوان... إلى رماد ودخان.
كثيرا ما تنصحني زوجتي بأن أذهب إلى الطّبيب... يضحكني الأمر دائما بقدر ما يبكيني ويخيفني مجرّد التّفكير في ذلك. إذا فعلتها، فهذا يعني أنّني فقدت نهائيّا، ذلك الوهم الّذي مازال يشدّني، كيف أقنع نفسي بعد ذلك، بأنّ كلّ شيء مازال على ما يرام!
الأطبّاء لا يملكون أن يعطونا نكهة الوقت، نحن ننسى لأنّنا نتعب من حمل الذّكريات، الأطبّاء يعالجون المرضى، وأنا لست مريضا، أنا فقط متعب وحزين. تثقلني الكلمات الخاسرة، وكثير من أشياء العمر المتفحّمة في زوايا الذّاكرة. أحيانا أغافل نفسي، وأفرغ نصف الحمولة في أيّة حفرة تعترضني وأمضي، ثمّ أفرغ نصفها الآخر غير بعيد، وأتظاهر بأنّني نسيت. نحن ننسى أحيانا بملء إرادتنا وبمحض اختيارنا...
أسوأ ما في الأمر، أنّني لم أعد أستطيع أن أميّز بين صور بناتي، في صغرهنّ... وأنا الّذي التقطتها لهنّ، وادّخرتها لمثل هذه الأيّام، كي لا يهزمني النّسيان. ربّما كنّ متشابهات في الصّغر، لكنّ هذا لا يهوّن من الأمر شيئا. تسعفني زوجتي بنوع من الشّفقة والعتاب، ثمّ تستدرك بأنّ الجميع ينسون مثل هذه الأشياء، لكنّ الجرح يزداد اتّساعا كلّ يوم، ويمتلئ بالحصى...
ليس هيّنا أن تنسى أجمل ما عشت من اللّحظات، ولا حتّى أسوأ ما عشت... حتّى ذكرياتنا الأليمة سنحتاج إليها يوما، ونحن نحاول أن نسدّ الثّقوب الكثيرة في سقف الذّاكرة، أو في قاعها، لا شيء يولد، ولا شيء يتحوّل... كلّ شيء يضيع!
لا أعرف إن كان عليّ أن أفرح، أو أحزن، وأنا أنسى كلّ شيء يوما بعد يوم، وأنا أمضي إلى ذلك الثّقب الأسود، وأقترب منه رويدا رويدا. ليس الأمر سيّئا بالكامل على ما أعتقد، سيكون بإمكاني في النّهاية أن أتخفّف من أعباء كثيرة كانت فوق الحمولة، تفاصيل كثيرة ظلّت تخزني دائما في القلب مثل الدّبابيس، أحلام عظيمة تحوّلت إلى أوهام وخيبات، خيانات عابرة، أشخاص كثيرين تحوّلوا إلى أشباح وجماجم مفرغة وعناكب سوداء عشّشت في فمي وفي عينيّ وفي رئتيّ... قد لا يكون الأمر سيّئا بالكامل...
ما يحزنني قليلا، هو أنّني سوف أنسى الكثير من الحكايات الصّغيرة، تلك الحكايات الّتي كانت بحجم الحياة نفسها، لكنّها اليوم لم تعد تصلح للنّشر، ولن أتجرّأ يوما على كتابتها، قبل أن يبتلعها الثقب الأسود.
أظهر الكل ..أنا لم أكتب يوما شعرا في أيّ زعيم... ولم أمتدح أحدا.
لي الشّرف أنّني كتبت هذا النّصّ في المرزوقي الإنسان، أنشره لأوّل مرّة، وليس في سلّته عنب أطمع فيه!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هم يَكْرَهونَكَ يَا رَجُلْ!
لاَ، لَيْسَ ثمّةَ في الْكراهِيةِ الْتِبَاسٌ،
أَوْ خِلافٌ أَوْ جَدَلْ
همْ يَكْرَهونَكَ يا غَرِيبُ ...
وليسَ بَعْضُ الظّنِّ إِثْمًا،
ليسَ في الأَمْرِ اشْتِبَاه ...
أنا لم أكتب يوما شعرا في أيّ زعيم... ولم أمتدح أحدا.
لي الشّرف أنّني كتبت هذا النّصّ في المرزوقي الإنسان، أنشره لأوّل مرّة، وليس في سلّته عنب أطمع فيه!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هم يَكْرَهونَكَ يَا رَجُلْ!
لاَ، لَيْسَ ثمّةَ في الْكراهِيةِ الْتِبَاسٌ،
أَوْ خِلافٌ أَوْ جَدَلْ
همْ يَكْرَهونَكَ يا غَرِيبُ ...
وليسَ بَعْضُ الظّنِّ إِثْمًا،
ليسَ في الأَمْرِ اشْتِبَاهٌ، أَوْ غُموضٌ مُحْتَمَلْ!
لَنْ يَأَلَفُوكَ،
وَليسَ يَعْنِيهِمْ تَمامًا، مُطْلَقًا، أَنْ يَعْرِفُوكَ،
وَليسَ يَكْفِيهِمْ سِوى ما لَيْسَ يَكْفِيهِمْ ... أَجَلْ!
هُمْ يَحْذَرُونَكَ،
يوْمَ تُولَدُ أَوْ تَمُوتُ، وَيَومَ تُبْعَثُ للْحِسَابِ ...
وَقبلَ ما قبْلَ الْوِلادةِ،
مِثْلَ لُغْمٍ في التُّرابِ ...
وَيَحْذَرُونَ الْوَرْدَ فِي بُسْتانِكَ الْخَلَوِيِّ، ينمُو...
أوْ على كَفَّيْكَ، يَزْهُو ...
أَوْ تُخَبِّئُهُ الْمُقَلْ!
هُم يَحْلُمونَ على مَدارِ الْوَقْتِ،
أَنْ يَسْتَيْقِظُوا يومًا فلاَ يَجِدُوكَ حيًّا بينَهُمْ!
أَنْ يَقْطَعُوا عنكَ الْهَواءَ
وَيُطْفِئُوا فِي جمر عيْنيْكَ الضِّيَاءَ ...
وَيَذْبَحُوكَ على مَهَلْ!
هُمْ يَرْفُضونَكَ،
لستَ تُشْبِهُنَا، يَقُولونَ: اعْتَذِرْ!
عَنْ لَوْنِكَ الْقَمْحِيِّ، والشَّعْرِ الْمُجَعَّدِ،
واعْتَذِرْ!
عنْ طَبْعِكَ الرَّعَوِيِّ، والْقلْبِ الْمُعبَّإِ بالسَّحابِ،
وبالْعواصِفِ، والصَّواعِقِ والْمَطَرْ!
وَلْتَعْتَذِرْ!
عمَّا أَكلْتَ، ومَا شَرِبْتَ
وَما قَرَأْتَ وما كَتَبْتَ
وَما طلبْتَ وَلَمْ تَنَلْ!
هُمْ يَعْرِفُونَكَ
لاَ تَذُوبُ، كما يَذُوبُ الثَّلْجُ في أَكْوابِهِمْ!
لاَ تَسْرِقُ التَّارِيخَ مِنْ زوَّادةِ الْمَوْتَى ...
ولاَ تَبْكِي على أَعْتابِهِمْ!
لاَ تَنْحَنِي أَبَدًا ... ولاَ تَحْنِي ضُلُوعَكَ للْغَرِيبِ،
ولاَ تُدِيرُ إِليْهِ خدَّكَ صاغِرًا ...
مَهْمَا فَعَلْ!
هُمْ يَعْرِفُونَكَ جيِّدًا،
وَلأَجْلِ ذلكَ يَكْرَهونَكَ يا رَجُلْ!
وَيُكابِرُونَ فَيَصْغُرُونَ، وَيَنْكسُونَ رؤُوسَهُمْ،
وَتَغِيضُ أَعْيُنُهُمْ أَمامَكَ ...
فِي خَجَلْ!
ــــــــــــــــــــــــــــ
أظهر الكل ..أنا ابن زمن آخر...
زمن الرّسائل الطّويلة... الطّوييييلة جدّا ... نضمّخها بأرواحنا وآهاتنا ودموعنا وتنهّداتنا...
أنا ابن زمن عبد الحليم، والوسادة الخالية ، وفاتن حمامة ... وأمّ كلثوم... وعفاف راضي ... ونجاة الصّغيرة ونور الهدى ... يا جارة الوادي، وفايزة أحمد ...حبيبي يا متغرّب ... وفريد الأطرش ..آدي الرّبيع ... وأضنيتني بالهجر ... ومحرّم فؤاد ...وأسمهان ... ااااه ...يا لأسمهان ... اسقنيها بأبي أنت وأمّي ...
أنا ابن زمن "الكاسات"، حين يهديها الحبيب لحبيبه، فكأنّه أهداه ال ...
أنا ابن زمن آخر...
زمن الرّسائل الطّويلة... الطّوييييلة جدّا ... نضمّخها بأرواحنا وآهاتنا ودموعنا وتنهّداتنا...
أنا ابن زمن عبد الحليم، والوسادة الخالية ، وفاتن حمامة ... وأمّ كلثوم... وعفاف راضي ... ونجاة الصّغيرة ونور الهدى ... يا جارة الوادي، وفايزة أحمد ...حبيبي يا متغرّب ... وفريد الأطرش ..آدي الرّبيع ... وأضنيتني بالهجر ... ومحرّم فؤاد ...وأسمهان ... ااااه ...يا لأسمهان ... اسقنيها بأبي أنت وأمّي ...
أنا ابن زمن "الكاسات"، حين يهديها الحبيب لحبيبه، فكأنّه أهداه الدنيا وما فيها ... يستمع إليها فوق السّطح في ليالي الصّيف، وعيناه موثوقتان بالنجوم وبالقمر، تطلّ منه الحبيبة وتناجيه بكلّ كلمات تلك الأغاني... فتمتلئ روحه وتخفّ وتحلّق في أعلى سماء علّيّين ...
أنا ابن زمن الصّورة اليتيمة للحبيبة، يخفيها بين طيّات ثيابه وتحت جلده، يهرّبها كالحشيش ويبقى السّاعات الطّويلة وهو ساهم فيها، ذاهل عن الوجود... حتّى تتحرّك بقدرة قادر وتهمس إليه ويهمس إليها ...
أنا ابن جيل بلا هاتف، وبلا عنوان ... كانت العطل أقسى ما في حياتنا ... لأنّها تحرمنا من رؤية الحبيبة لأسابيع أو لأشهر ... وحين يأتي سبتمبر ,,, نطير إلى المعاهد كما تطير الخطاطيف إلى رحاب مكّة ... قلوبنا تسبقنا وعيوننا مرايا من زجاج ...
أنا ابن الزّمن الّذي كانت فيه المرأة سرّا وجوديّا عظيما، وهالة من نور ونار ... تسعدنا منها اللّفتة والنّظرة والبسمة وإطراقة الحياء والوعد الغامض والكلمة اليتيمة والوهم الجميل...
كنّا نخاف عليها من لمستنا... من كلمة تجرحها ... من عين تراها وتظنّ بها ما لا تشتهي ...
أنا ابن زمن الكلمة ... كلمة "أحبّك " الّتي تولد في أعماقنا في خلوة كصلاة الأنبياء ...
ونظلّ نحرسها في أعماقنا وهي تنمو، نذود عنها الرّيح والمطر والضّباب ...
كيف لي أن أتعايش مع أعيادكم السّخيفة الغامضة ...
أعياد اليكترونيّة استهلاكيّة خلقتها رأسماليّة الحبّ البلاستيكيّ لغزو الأسواق وتسليع القلوب؟؟
أريد أن أحمل زمني في داخلي، دون أن تتسرّب إليه حماقاتكم وسخافاتكم وبذاءاتكم، كما تتسرّب أشعّة اليورانيوم المنضّب، إلى قلب الأرض الطّاهر، فتسمّمه وتسرطنه وتخنق فيه الحياة...
طابت أعيادكم أيّها البلاستيكيّون!!!
أمّا أنا ...
فأعترف أنّني ...
قد عشت!!
ــــــــــــــــ
عبارة العنوان طبعا معروفة لبابلو نيرودا ... لذلك وضعتها بين ظفرين
أظهر الكل ..توقظه زوجته في كبد اللّيل، وتهمزه برفق:
- يارجل... كفَّ عن الشّخير أرجوك... أريد أن أنام قليلا!
يغمغم، نصف نائم:
- ماذا تريدين؟... دعيني أنَمْ !
- أنت تنام منذ أوّل اللّيل... أنا أيضا أريد أن أنام... كفّ عن الشّخير، أرجوك!
- أنا أشخر!!؟
تقول في نفسها: "سيبدأ الموّال من أوّله"
- نعم أنت تشخر وتصفّر وتصكّ وتقضم أسنانك وتسحب عنّي الغطاء وتفعل أشياء أخرى كثيرة لن أقولها الآن...و لن تصدّق إلاّ حين أسجّلك ليلة صورة وصوتا وأسمعك شخيرك الّذي يهزّ الجيران. ...
توقظه زوجته في كبد اللّيل، وتهمزه برفق:
- يارجل... كفَّ عن الشّخير أرجوك... أريد أن أنام قليلا!
يغمغم، نصف نائم:
- ماذا تريدين؟... دعيني أنَمْ !
- أنت تنام منذ أوّل اللّيل... أنا أيضا أريد أن أنام... كفّ عن الشّخير، أرجوك!
- أنا أشخر!!؟
تقول في نفسها: "سيبدأ الموّال من أوّله"
- نعم أنت تشخر وتصفّر وتصكّ وتقضم أسنانك وتسحب عنّي الغطاء وتفعل أشياء أخرى كثيرة لن أقولها الآن...و لن تصدّق إلاّ حين أسجّلك ليلة صورة وصوتا وأسمعك شخيرك الّذي يهزّ الجيران... وسوف أفعلها
- أنا لم أسمع نفسي يوما أشخر، وحتّى إن شخرت، فلا أعتقد أنّ شخيري مزعج إلى هذا الحدّ كي تقيمي عليه الدّنيا كلّ مرّة وتحرميني من النّوم...
ينتبه إلى أنّ هناك أشياء كثيرة بدأت تتغيّر، ابنته أيضا نامت إلى جانبه تلك اللّيلة في "الصّالة"، ثمّ حين استيقظ وجدها قد أخذت الحشيّة والغطاء، وأكملت نومها في الغرفة المجاورة... إذن فالأمر صحيح... لقد صرت أشخر أنا أيضا، مثل داده رحمها اللّه وجدّي رحمه الله وخالتي عيشه رحمها الله، وكلّ الّذين كانوا يشخرون، رحمهم الله أيضا سريعا بعد ذلك... ماذا يعني ذلك؟ ... هل أنا أيضا أصبحت على الطّريق السّريع إلى رحمة الله؟؟ ... هكذا بكلّ هذه السّرعة وبكلّ هذه البساطة؟
يقول في نفسه: " صحيح أنّني لم أعد أنام كما كنت أنام فيما مضى، ربّما منذ سنوات طويلة، كنت حين أنام أشعر أنّني انتقلت إلى غرفة أخرى مضاءة بالكامل، فيها شاشة عملاقة، أشاهد فيها أفلاما فيها كثيرة عالية الدّقّة... أركض وأضحك وأغنّي وأسمع وأرى كلّ شيء بمنتهى الوضوح... أنام دفعة واحدة، وحين أستيقظ، أستيقظ دفعة واحدة، بكلّ حواسّي وكأنّني قد امتلأت عيناي بكلّ الضّياء وصدري بالأوكسيجين وقلبي بأجمل الذّكريات ... اليوم صرت أنام مثل حجر ثقيل يسقط في قاع البئر، لا أثر للضّوء من حولي، تختنق أنفاسي وتموت حواسّي كلّها كما لو كنت جثّة حقيقيّة، وحين أستيقظ لا أتذكّر شيئا... منذ عشر سنوات على الأقلّ لا أتذكّر أنّي حلمت حلما واحدا، وحتّى إذا صادف وحلمت، أنساه مباشرة فور استيقاظي ولا يبقى منه سوى الضّباب ...
زوجتي تقول إنّني أشخر كثيرا، لكنّني لا أتصوّر ذلك... أقصد أنّ شخيري لا يمكن أن يكون مزعجا إلى هذا الحدّ، فرقبتي ليست غليظة، وصدري ليس ضيّقا، وبطني ليست منتفخة إلى ذلك الحدّ ... كما أنّني أقلعت عن التّدخين منذ سنوات، والأهمّ من كلّ ذلك أنّني أغنّي لعبد الحليم ... الجميع يقولون إنّ صوتي في الغناء يشبه كثيرا صوت عبد الحليم، فهل يتصوّر أحدهم أنّ عبد الحليم يشخر؟ وحتّى إذا شخر... فلن يكون شخيره إلاّ قريبا جدّا من غنائه...
هل يتصوّر أحدهم أنّ فيروز تشخر؟ أو أسمهان أو أو ...
إذا صحّ أنّني أشخر فعلا، فسأكون قد خرجت من زمن عبد الحليم إلى زمن الحطّاب الذّيب...
من الطّبيعيّ أن يشخر الحطّاب الذّيب، حين تنظر إلى رقبته وكتفيه وظهره وحين تسمع صوته ... وحتّى لو لم يكن كلّ ذلك، فيكفي أن يكون اسمه الحطّاب الذّيب كي يكون من الطّبيعيّ أنّه يشخر ... أمّا عبد الحليم ، فلا...
ثمّ ينتبه إلى أنّ الشّخير هو في الحقيقة نوع من الغرغرة، غرغرة الرّوح عند الاحتضار... هو حالة الاحتضار الّتي بدأت، ولا أحد يعرف بالتّحديد متى تنتهي، لكنّها حتما ستنتهي أقرب ممّا كان يتوقّع ... ينتبه إلى أدويته الكثيرة التي بدأت تتكدّس إلى جانبه قرب الفراش، دواء الضّغط، ودواء الحساسيّة، ودواء السّكّريّ ... وأدوية أخرى عارضة، تظهر وتختفي من حين لآخر ...
لا شكّ أنّ كلّ ما تقوله زوجته صحيح بالكامل... ولا شكّ أنّها لم توقظه إلاّ بعد أن قضت السّاعات وهي تتقلّب على جانبيها، تقول في نفسها: "هو يتعب طيلة اليوم، يجب أن يرتاح... سوف يتقلّب على جنبه الآخر بعد قليل... مازال اللّيل طويلا وسأشبع من النّوم... المهمّ أن يرتاح هو قليلا ... "
يأخذ اللّحاف والغطاء، ويتسلّل إلى الصّالة... يحزنه كثيرا أن يفعل ذلك... من المحزن أن يفرغ مكانه أو مكانها في الفراش، ذلك ينبئ بشرّ كثير ... كان يعتقد دائما أنّه لن يحدث ذلك إلاّ وأحدهما في القبر... هناك سيحترم الجميع راحة الجميع، لا أحد يشخر أو يصفّر، أو يصكّ أو يسحب الغطاء عن الآخر... الآن صار مضطرّا إلى كثير ممّا يكره... سيتركها ترتاح قليلا ... ساعة أو ساعتين قبل انبلاج الصّباح...
حين استقرّ في فراشه الجديد على "البنك"... شعر بحركتها ... أحضرت غطاء وحَشِيّةً (جرّاية)... وضعتها على الأرض واستقرّت لتنام ، إلى جانبه في الصّالة...
قال لها بحزن يغلّفه الغضب والاستغراب:
- لماذا تلحقين بي إلى هنا؟ ... ألم تقولي إنّ شخيري يحرمك من النّوم؟... دعيني وشأني إذن...
تتمتم بينها وبين نفسها:
- لأنّك غبيّ ... لم تفهم أنّ شخيرك يزعجني ويحرمني من النّوم، لكنّني لا أستطيع أن أعيش بدونه ...
يتمتم هو أيضا، بينه وبين نفسه:
- أنا أيضا أحبّكِ... لكنّني لا أستطيع أن أكفّ عن الشّخير !!
ــــــــــــــــــــــــ عبد اللطيف علوي
أظهر الكل ..